May 9, 2018

Cannes 2018 | 1 | Mohammed Rouda


تغيب هوليوود فتقلق أوروبا
مهرجان «كان» السينمائي في مواجهة متغيرات العالم الجديد 

«كان»: محمد رُضـا

ليس خفياً أن شركات الإنتاج ولجانبها شركات التوزيع الفرنسية تملك قوّة مؤثرة فيما يمكن لمهرجان «كان» عرضه وعدم عرضه من الأفلام. 
الفيلم المتقدم لاختيارات إدارة المهرجان في المرحلة الأولى، وكما سبق وأن ذكرنا، عليه أن يكون قد استحوذ على مباركة إنتاجية فرنسية كاملة أو جزئية لكي يتم إدراجه. صحيح أن الإختيار الأخير ما زال خاضعاً لقرار الإدارة، لكن معظم الأفلام المقدّمة والمدفوعة تجاه هذا الإختيار هي منتجة ولديها عقود توزيع تلك الشركات صوب الإدارة العامة.
الباقي قد يختلف اختياره لكن الثابت أن غالبية ما يقّدم، بصرف النظر عن منشأه وعن لغته المستخدمة، هو فرنسي أيضاً على نحو أو أكثر.
• 1 BlacKkKlansman

















شركات التوزيع لها تأثير كبير تبدّى في العام الماضي عندما عارضت وجود فيلمين من شركة «نتفلكس» الأميركية هما Okja و The Meyerowitz Stories على أساس أنهما من أعمال شركة تعمل على خدمة زبائن بالإشتراك ما يعني أنه لا توجد لديها نيّـة لعرضه في الأسواق التجارية، كما لا نيّـة لشركات التوزيع الفرنسية- والحال هذه- قبول أفلام لا يمكن توزيعها في تلك الأسواق.
المدير التنفيذي للمهرجان تييري فريمو التقى وأرباب تلك الشركات ووافق على أن لا يعرض أفلاماً من إنتاج نتفلكس أو أمازون في العروض الرسمية بعد ذلك العام. 

روما والنروج
عند هذا الحد تبيّـن أن لشركات التوزيع سطوة مهمّـة وأن المهرجان عليه أن يفكر كذا مرّة قبل الموافقة على إتخاذ قرار تراه تلك الشركات مخالفاً لعلاقتها التاريخية مع المهرجان. لكن قبل أشهر قليلة بدا كما لو أن هناك سعي لدى فريمو للقيام بقبول أفلام جديدة من نتفلكس إذا ما استطاع أن يكون صلة خير بينها وبين شركات التوزيع.
لكن لا نتفلكس مستعدة للقبول تغيير أسلوب ونظام عملها ولا تلك الشركات ستسمح للمهرجان أن يتنفس هواءاً جديداً مغايراً للسائد. وحاول فريمو أن يجد حلاً وسطاً بإقناع الفرنسيين والأميركيين على حد سواء بقبول عروض أفلام نتفلكس خارج المسابقة. الفرنسيون لم يمانعوا، لكن شركة نتفلكس رفضت وما لبثت أن استبعدت اشتراكها على نحو كلي.
والواقع أن استبعاد أفلام مصنوعة للخدمة المنزلية المباشرة يبدو في محله من زاوية أن المهرجان يحتفي بالسينما كما عهدناها وليس كما هي آيلة إليه في الحاضر والمستقبل.
على أن هذه الأزمة تبرهن الآن، وعلى مسافة ثلاثة أيام من انطلاق الدورة 71 في الثامن من هذا الشهر، عن أبعاد أخرى في مقدّمتها أن الصراع، إذا ما تم تصويره على هذا الأساس هو صراع تكنولوجي ناتج عن تقدم الوسائط الإعلامية والإنتاجية في مواجهة رغبة المهرجان العالمي الأول الإحتفاظ باحتفائه المتوهج بالسينما كفن وكصناعة.
ذلك لأن إلغاء أفلام تم تصنيعها للعروض غير العامة ما يحد من قدرة شركات التوزيع السينمائية، في كل مكان، من الإستفادة منها،  يعني إلغاء التعامل مع هذا المنوال الحديث من الإنتاج والعروض. والحداثة في واقعها تقنية بحتة ذلك لأن الأفلام المنتجة من قِـبل نتفلكس، على الأخص، تتمتع برخصة تمنحها الشركة تتيح لمخرجيها تحقيق أفلامهم بحرية شبه كاملة (أو، كما في حالة المخرج مارتن سكورسيزي الذي باشر، وبعد تأخر طويل، تصوير فيلمه الجديد «الرجل الأيرلندي») بحرية غير منقوصة
بالتالي، فإن ثمن الإمتناع عن قبول أفلامها، وإلى جانب أنه نزوع إلى عدم تطوير آلية المهرجان حيال الإنتاجات غير التقليدية،  فيه خسارة زبائن وأفلام قد تستحق العرض على شاشة أكبر مهرجانات السينما. 
هذا العام عرضت نتفلكس على المهرجان الفرنسي فيلمين اعتبرتهما رصيداً مهماً لها ولهواة السينما على حد سواء. أحدهما هو الفيلم الجديد «روما» لألفونسو كوارون (مخرج «أطفال الرجال»، «جاذبية» الخ...)  والثاني «نروج» (Norway) لبول غرينغراسأحد لعين» و«إنذار بورن» من بين أخرى).


 هوليوود ضد «كان»؟
لكن ما سبق لا يعني أن مهرجان «كان» متجمد في زمن مضى لا يقدر على (أو لا يود أن) يغادره. في الواقع هناك متغيرات أساسية تحدث تباعاً منذ عدة سنوات وتصل في هذا العام إلى ذروتها.
عنوان هذه المتغيرات هو علاقة «كان» بالسينما الأميركية ككل.
في لقاء مع المنتج الأميركي ألبرت روديالعراب») في الشهر الماضي تم فيه الحديث عن تقاليد اشتراك هوليوود في مهرجان «كان»، ذكر لي أن المسألة بالنسبة لهوليوود اليوم تختلف تماماً عما كانت عليه سابقاً:
"إذا نظرت إلى تاريخ المهرجان في الخمسينات وفي الستينات والسبعينات ستجد أن السينما الأميركية كانت أكثر حضوراً مما هي عليه اليوم سواءاً كعدد أفلام أو كعدد ضيوف ونجوم حتى مع الأخذ بعين الإعتبار أن الكثير من هذه الأفلام كانت من النوع الفني الذي تبحث عنه المهرجانات عادة. هذا رغم أن ربما معظم هذه الأفلام كانت من النوع المستقل".
ويكمل مقارنته بالقول:
"اليوم ليس هناك حاجة كبيرة للسينما الأميركية لكي تشترك ولا مهرجان «كان» يمثّـل ما كان يمثله سابقاً بالنسبة لهوليوود".
- لماذا؟
"لأن السينما تتغير تكنولوجياً إلى حد يتجاوز أهمية «كان» بحد ذاته. لماذا عليّ أن أرسل بفيلمي إلى «كان» مع مخرجه وممثليه والطاقم الإداري والإنتاجي  وأتحمل تكاليف تصل إلى أكثر من مليون دولار بكثير إذا لم يكن هناك فائدة تجارية مجزية؟".
- تعني أن جائزة «كان» لا تعني الكثير على المستوى التجاري.
"قد تعني في فرنسا وتعني في بعض الدول الأخرى، لكن لا تعني الكثير مطلقاً في الأسواق الكبرى الأخرى وخصوصاً هنا في أميركا".
ما يُقال هنا هو أن هوليوود، التي، رغم اشتراكها بأفلام لجديرين بينهم هال آشبي وبوب رافلسون وكلينت ايستوود،  قلّـما استطاعت الفوز بجوائز كبرى في المهرجان الفرنسي إذ كانت اختيارات لجان التحكيم تميل غالباً لتفضيل أفلام أوروبية، 
لكن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تنتفي الحاجة الى «كان» التي كانت، وحتى حين قريب، حاجة إعلامية هدفها تعزيز إنتاجات فنية الجانب لأمثال غس فان سانت أو هال بارتلت أو ديفيد لينش، لكن حتى هذه- وفي كثير من الأحيان- كانت من تمويل فرنسي جزئياً ما يعني أن الحاجة الفعلية لكبار المؤسسات الهوليوودية، بما فيها فروع إنتاجاتها المستقلة، انحسرت عما كانت عليه لسببين مهمين. يشرح توم برنارد، رئيس ًوني بيكتشرز كلاسيكس، السبب الأول بقوله: "في السابق كنا نحتاج الهالة الكبيرة التي يوفرها «كان» للفيلم المستقل الذي نتعامل معه هنا. الآن لم نعد بحاجة إلى أي ترويج مسبق. الترويج يحدث تلقائياً عبر الوسائط الإجتماعية. الطريقة التي يكشف فيها الفيلم عن وجوده باتت مختلفة تماماً".
يضيف: 

 حلقات السلسلة
"أيضاً وهذا بالنسق إلى «كان» تحديداً وأيضاً بالنسبة لمهرجانات أخرى تقع في النصف الأول من السنة، نعتبر أن الفارق الزمني بين «كان» في الربيع بين موسم الجوائز الأميركية خصوصاً جائزتي الأوسكار وغولدن غلوبس  في مطلع الشتاء كبير بحيث لا يضيف كان إلى الأفلام أي فاعلية تذكر".
الحال إذن، إستيحاءاً من هذا الكلام، أن هذا البعد الزمني بين الأفلام الأميركية التي قلما تفوز على أي حال وبين المهرجان الفرنسي أصبح ماثلاً أكثر من ذي قبل ويضيف عبئاً على مهرجان أمّـه مئات النجوم في تاريخه.
الحاصل هو أنه بإبتعاد السينما الأميركية عن كان، يبتعد الممثلون أيضاً. ومع أن هناك فيلمان أميركيان هذه السنة أحدهما للمخرج سبايك لي العائد بعد غياب طويل بفيلم «بلاك كلانسمان». لكن هذا الفيلم بلا نجوم (الا إذا اعتبرنا أدام درايفر نجماً).
الفيلم الأميركي الآخر هو «تحت البحيرة الفضية» (للجديد ديفيد ميتشل) المكتفي بممثل معروف واحد هو أندرو غارفيلد.
بالتالي، الورطة المنتظرة في «كان» هذه السنة هي عم وجود نجوم أميركيين كافين لإرضاء الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع معاً.
المسألة، طالما الوضع على هذا الحال، تتحول إلى حلقات كل منها تؤثر على الأخرى كالعمود الفقري. فما يبدأ بغياب الأفلام الأميركية ونجومها ليمتد إلى الإعلام سيمتد كذلك إلى السوق التجارية. تلك الآلة الضخمة التي شيدها المهرجان قبل عدة سنوات.
هذا التأثير لن يتبدَ الآن، لكن إذا ما استمر الحال عليه سيتبدى لاحقاً ما سيجعله محطة أوروبية- أسيوية- أفريقية ناشطة إنما من دون كثير حضور وتأثير من جانب الجزء الشمالي من القارة الأميركية التي تجد أن لديها- في كل الأحوال- أربع محطات مهمة لترويج أفلامها وبييعها هي صندانس، سوق الفيلم الأميركي، مهرجان تورنتو الكندي و-الى حد- مهرجان ترايبيكا في نيويورك.
المحصلة هي أنه عالم دوّار يصعد بالجديد ويهبط بالقديم والخوف أن هذا ينسحب حتى على مهرجان بقيمة وحجم مهرجان «كان».