May 9, 2018

Cannes 2018 | 3

ثلاث مخرجات متنافسات وخمسة نساء في لجنة تحكيم 

«كان»: محمد رُضـا

لم تكن الأصوات التي انتقدت غياب أفلام نسائية الإخراج عن المسابقة الرسمية للدورة الحادية والسبعين من مهرجان «كان» السينمائي بالوفرة التي سادت في الأعوام القليلة الماضية. 
ذلك أن الدورة الجديدة، من ناحية، تضم عدداً من المخرجات اللواتي سيطرحن أعمالهن في مسابقة المهرجان الرسمية كما في المسابقات الجانبية. ثانياً، لأن المنتقدين أدركوا أن المهرجانات لا تُدار على أساس أي من الجنسين، الذكر أم الأنثى، سيكون حاضراً، بل إذا ما كانت أفلام نسائية تستحق المشاهدة.

• Girls of Sunshine 

سؤال من نادين لبكي
في كل الحالات، استجاب المهرجان ورئيسه التنفيدي تييري فريمو، إلى النقد الذي وجّـه إليه قبل ثلاثة أعوام ورفع من عدد المخرجات المشتركات. وفي هذه الدورة تحديداً نجد ثلاثة مخرجات يتنافسن على جوائز «كان» في المسابقة الرسمية وثلاثة أخريات في مسابقة «نظرة ما». الأسماء النسائية تتوزع أيضاً في أقسام «نصف شهر المخرجين» و«أسبوع النقاد» وليس للمرّة الأولى. 
في المسابقة لدينا نادين لبكي، تلك المخرجة اللبنانية المثابرة التي ربحت أشواطاً من الإعجاب بفيلميها السابقين «سكر بنات» (2007) و«هلأ لوين؟» (2011). فيلمها المشارك عنوانه «كفر حانوم». أول أفلامها كان أفضل من الثاني. كان دراما عن نساء يعملن في صالون حلاقة نسائي ومشاغلهن داخل العمل وخارجه. بارقة أنثوية لامعة حققت المرجو منها فناً وتجارة. 
الفيلم الثاني كان كوميدياً حول نساء قرية يقررن امتلاك مقاليد الحكم في تلك القرية بسبب خلاف الرجال وتوهاتهم السياسي والإجتماعي. كان فيلماً طامحاً لما لم يتم إنجازه كاملاً بسبب رهان على قبول الفانتازيا التي حملها.
هذا الثالث، الذي سيعرضه المهرجان في طيات الأسبوع الثاني من دورته، غامض. إذا ما تفحصنا دليل المهرجان، سنجد أن المخرجة إكتفت بثلاثة أسطر مأخوذة من حوار بين قاضٍ وصبي يسأل الأول: "لماذا تريد أن تقاضي والديك؟"، فيرد الصبي "لأنهما أتا بي إلى الحياة". هذا لا يقول شيئاً يذكر ولا هي لفتة إعلامية جيدة خصوصاً إذا ما توخت إثارة تشويق ما من هذا المقتطف.
قبله سنشهد عرض «سعيد مثل لازارو» للإيطالية أليس رورواكر (ألمانية الأب) الذي يتمحور حول الفتى الذي يعيش في بلدة صغيرة والثري الذي يطلب منه تلفيق خطفه. 
إنه الفيلم الخامس للمخرجة التي تبدّت قبل إثنا عشر سنة كمخرجة واعدة. مثل لبكي حققت فيلمها الأول، «الشيء المفقود» سنة 2006 وقدمته من على شاشة مهرجان روما آنذاك
الفيلم الثالث من إخراج إمرأة في المسابقة الرسمية هو «بنات الشمس» لإيفا أوسون. هذا فيلمها الروائي الطويل الثالث وكان الأول (وعنوانه «هؤلاء الذين بسببهم تبقى الأمور معقدة») عرض في مهرجانين فرنسيين صغيرين (بريڤ وڤندوم). فيلمها الجديد يبدو أكثر تعقيداً من أي من أعمالها السابقة إذ تدور أحداثه حول مجموعة من المحاربات الكرديات في العراق يواجهن قوات المتطرفين. قائدة هذه المجموعة (غولدشفته فرحاني) تحاول في الوقت نفسه البحث عن إبنها المفقود.

خلل في لجنة التحكيم!
تقييم هذه الأفلام سينتظر حتى عروضها، لكن هذا الحضور وراء الكاميرا ليس الوحيد في سياق الإهتمام بمنح المرأة وجوداً يحتل حيزاً كبيراً، بل اختار المهرجان أن ينتقي خمسة نساء في لجنة تحكيم تتألف من تسعة أعضاء.
النساء هن الممثلة كايت بلانشيت، التي ترأس لجنة التحكيم، والمخرجة الأميركية أفا دوفرني والموسيقية (لم يحدد المهرجان هويتها الأفريقية) خاديا نين والممثلة الفرنسية ليا سيدوز (إحدى بطلتي فيلم «اللون الأزرق أكثر دفئاً») والممثلة الأميركية كرستن ستيوارت.
أما الرجال فهم الممثل الصيني تشانغ تشن والكاتب والمنتج الفرنسي روبير غويدنيان والمخرج الروسي أندريه زفينتسف والمخرج الكندي دنيس فيلنيوف.
هناك خلل لكنه ليس ناتجاً عن عدد المحكمات الإناث في مقابل عدد المحكمين الرجال. هذا يتبع صورة يريد المهرجان التباهي بها. لكن الخلل الفعلي هو الجمع بين مخرجين من عمالقة سينما اليوم هما فيلنيوف وزفينتسف وبعض الأسماء الأنثوية التي لم يسمع عنها أحد (خاديا نين التي ليس لديها أي عمل موسيقي للسينما ولا أي نشاط سينمائي في أي جانب آخر) أو التي برزت من دون نضج وما زالت على هذا النحو (ليا سيدوكس).
كيف سيمكن لمن لا يعرف الكثير أن يدير الحكم على النتائج المقبلة سيبقى بدوره أمراً مستقبلياً نصل إليه في تحليل لاحق ومحاولة قراءة توجهات اللجنة تبعاً لمعرفة (أو جهل) من فيها.

الإقتراب من هذه الثلة، نساءاً ورجالاً، ممنوع. في «كان» خصوصية مطلقة وضرورية بالفعل. كايت بلانشيت لم تتفوه شيئاً حتى من قبل وصولها إلى «كان» يوم أول من أمس (الإثنين). كانت، حسب مصدر فرنسي، أول الأعضاء الذين وصلوا إلى المهرجان وجلستها الأولى مع أعضاء اللجنة تمّـت بعد ظهر يوم أمس. 

Cannes 2018 | 2


 «كان» يفتتح اليوم بفيلم مخرجه إيراني وتمويله أوروبي
 تاريخ السينما الإيرانية البديلة ماثل في فيلمين متناقضين

«كان»: محمد رُضـا

السؤال الذي كثيراً ما حاول النقاد طرحه وما زال موضع نظر واعتبار هو إذا ما كان الفيلم، أي فيلم، ينتمي إلى المخرج أو إلى الجهة الإنتاجية؟ بالتالي ما هي هوية فيلم «دنكيرك» لكريستوفر نولان؟ كيف يمكن أن نعيده إلى هوية المخرج البريطاني إذا ما كان التمويل، في أساسه، أميركي؟ وماذا عن أفلام رشيد بوشارب، ومنها «أيام المجد» (2006)، أهو جزائري تبعاً لهوية المخرج الأصلية أم فرنسي تبعاً لتمويله؟
الأفلام التي يمكن أن يطرح عليها هذا السؤال عديدة وتتكرر اليوم مع افتتاح الدورة الحادية والسبعين من مهرجان «كان» السينمائي بفيلم «الكل يعرف» للمخرج الإيراني أصغر فرهادي حققه بتمويل أسباني غالباً ومن دون ريال إيراني واحد.

• Everybody Knows | Asghar Farhadi

لا السؤال وحده الذي يتكرر بل الخطأ ذلك لأن الذين يسندون الفيلم إلى هوية مخرجه انبروا يكتبون أن الفيلم إيراني. رغبتهم في ذلك إما سياسية أو أنهم يتوهمون أن منح الفيلم هوية مخرجه إنا تعزيز لمكانته ودوره. 

على الحياد
الذين يدركون أن المنتوج ينتمي إلى من يموّله، يعلمون أن الفيلم أسباني المنشأ، ليس بسبب استخدام اللغة الأسبانية فيه وتصويره هناك مع ممثلين أسبان، بل لأن التمويل الأساسي ورد من شركة Morena التي من بين إنتاجاتها «تشي: الجزء الأول» سنة 2008، ذاك الذي اعتبره النقاد حينها أميركياً بسبب مخرجه ستيفن سودربيرغ. و«مورينا» هي الشركة ذاتها التي انتجت فيلم أوليفر ستون«كومانداتي»
هذا التمويل الأسباني يعاونه تمويل فرنسي متمثل بشركة «مومنتو» وآخر (أصغر) إيطالي من شركة Lucky Red. واختيار أصغر فرهادي لإخراجه يعود إلى نجاح أفلامه السابقة «البائع» (2016) و«الماضي» (2013) و«إنفصال» (2011) والتزاماً أوروبياً بمؤازرة أي موهبة سينمائية بصرف النظر عن هوية صاحبها طالما أنجز عملاً أو أكثر دخل به أجواء العروض العالمية بنجاح وهذا ما فعلته أفلام فرهدي الثلاثة المذكورة. 
هذا مع العلم  أن أقدم هذه الأفلام، «إنفصال» هو الوحيد الإيراني فعلياً أنتجه فرهادي نفسه واشترت حقوقه شركة مومنتو التي انتجت له فيلمه الآخر «الماضي». كلاهما قام مهرجان «كان» بتبنيه وتقديمه في مسابقتي 2013 و2016. الأول خرج بجائزة أفضل ممثل (شهب حسيني) وبجائزة أفضل سيناريو (فرهادي) والثاني لم ينل جائزة «كانية» لكنه خطف أوسكار أفضل فيلم أجنبي في العام التالي.
«إنفصال» كان كذلك آخر حلقة إيرانية في أعمال فرهادي. قبله كتب أفلاماً لآخرين وأخرج أربعة أفلام فقط هي «الرقص في الغبار» (2003) و«مدينة جميلة»(2004)  ثم «ألعاب الأربعاء النارية» (2006)   و«عن إيلي» (2009).
هو مخرج ذكي عرف كيف يكتب مواضيع إجتماعية تفصح للغرب طبيعة كل شيء إيراني من دون أن يغمس في نقد النظام، ثم كيف يتوّج نجاحه لتقديم أفلام لا علاقة لها بإيران مطلقاً كما حال «الماضي» و«الكل يعرف» الذي يدور حول إمرأة (بينيلوبي كروز) هاجرت إلى بوينوس آيريس عزباء وعادت متزوّجة من أرجنتيني (خافييه باردام) لتواجه مشاكل عاطفية واجتماعية نابعة من الماضي.
فكرة الفيلم راودت فرهادي ما بعد إنجاز «الماضي» وقبل تحقيق «البائع».  والتصوير كان بدأ في صيف السنة الماضية. وهو اللقاء الثاني، في غضون سنة، بين بينيلوبي كروز وخافييه باردم  . الأول كان «إسكوبار» لفرناندو ليون دي أرانوا الذي تم تقديمه في مهرجان فنيسيا الماضي.
وبينما سيجد فريق معروف أن افتتاح دورة «كان» الحالية بفيلم من إخراج فرهادي هو إنتصار إيراني في محفل دولي، إلا أن النظرة الواقعية مختلفة تماماً. فالإنتصار الأول هي لمخرج من العالم الثالث عرف، كسواه، شق طريقه عالمياً والثاني للسينما الأوروبية التي تتبنى من يبرهن عن قدراته وتجني، عادة، إيرادات كبيرة خلال ذلك.

ضد النظام
لكن فرهادي هو المخرج الإيراني الوحيد الذي يعمل خارج إيران ويمكن له أن يعود إلى وطنه  في أي وقت يشاء. هذا على عكس أترابه الذين هم إما منتشرون ما بين ألمانيا وفرنسا والوليات المتحدة وإما عاملين ضمن النظام أو خارجين عليه وهم في هذه الحالة غير مسموح لهم بالعمل ناهيك عن السفر خارجاً.
«الكل يعرف» لن يكون الفيلم الوحيد لمخرج إيراني في «كان»، بل أحد إثنين فالمسابقة تحتوي على «ثلاثة وجوه» لجعفر باناهي، وهو مخرج محكوم عليه لا بالمكوث في دارته فحسب، بل بعدم تحقيق أي فيلم.
باناهي كان أثار سلطات بلاده عندما قام بتصوير أوضاع المرأة الإيرانية وما تعيشه من إحباط أولاً في «البالون الأبيض» (1995) الذي تحدّث عن فتاة تحول طينة الحياة الصعبة دون تحقيق أقل أحلامها المتمثلة بسمكة حمراء. «الدائرة» كان أقوى. أنجزه سنة 2000 وحاولت السلطات منع عرضه عالمياً لكنه تسلل إلى مهرجان فنيسيا (ثم تورنتو ونيويورك وثيسالونيكي بين أخرى) وفيه حديث عن ثلاث نساء تعاني من وضع مجحف بحق المرأة ومن منوال العلاقة الذكورية التي تحيط بها.
بعد فيلم عن وضع الرجل أيضاً عنوانه «ذهب قرمزي» (2003) عاد إلى موضوع المرأة فصوّر «أوفسايد» (Offside) الذي تداول التجربة المرة التي تتعرض لها المرأة إذا ما أرادت حضور مباراة كرة قدم.
في النطاق السياسي، فإن أفلام بناهي هي أصدق فعلاً ومنهجاً من أفلام محسن مخملباف (الذي يعيش في باريس الآن) والراحل عبّـاس كياروستامي معاً. كذلك هي أصدق من أفلام فرهادي التي تناولت أوضاعاً محلية كون ذاك اختار أن يموّهها بحالات تبقى شخصية يمكن لها أن تقع في أي مجتمع تحكمه التقاليد ذاتها أو القريبة منها.
بعد «أوفسايد» صدر عليه الحكم بالسجن الذي استبدل بحكم حبسه في منزله ومنعه عن العمل والسفر (طبعاً). لكن باناهي أذهل كثيرين عندما استطاع تصوير فيلم داخل منزله عنوانه «ستائر منسدلة» (2013) حول مخرج (هو) يعيش في منزله غير قادر على مغادرته وتداهمه شخصيتان قد تكون إحداهما عين السلطة المتسللة.
شهد الفيلم عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين. بطريقة ما، إستطاع تهريبه إلى المهرجان الألماني العريق حيث خرج بجائزة فضية. للقارئ أن يتصوّر ما يعنيه ذلك لمخرج صوّر فيلمه سرّاً وقام بتوليفه سرّاً وإرساله سرّاً إلى أحد أهم مهرجانات العالم ليعود إليه بإحدى الجوائز الأولى.
باناهي كان أسر آنذاك أن ما يمنعه من الإنتحار هو الإستمرار في تحقيق الأفلام. من دونها، قال، لن يرغب في البقاء حياً. 
لنا أيضاً أن نتصوّر ذهول السلطات عندما اكتشفت الأمر. هذا الفوز حمّس باناهي لتحقيق فيلم اخر (بالسر أيضاً) عنوانه «تاكسي» أودعه مسابقة برلين سنة 2015. 

ترحيب وهجوم
لكن قبل أن نجاري الإيحاء بأن لا يمكن منع المبدع عن العمل حتى في أقسى الظروف، يبدو أن تسلل «تاكسي» إلى قارعة الطرق المهرجاناتية ليس بريئاً من استغلال ثغرة ما في نظام الحجز عليه على الأقل. إذ كيف يمكن للمخرج تصوير نفسه سائق سيارة تاكسي والتجوال فيها ملتقطاً نماذج لديها انتقادات (مبطنة هنا) للوضع العام إذا كان هناك أمر محكمي بإبقائه في البيت؟ 
هل تسلل الفيلم فعلاً أم أن تلك الثغرة كانت مدبّرة؟ 
إثر فوزه هنأته السلطات من ناحية ثم هاجمت مهرجان برلين لأنه سمح بعرض فيلم تعتبره طهران يسيء إلى المجتمع الإيراني ويشيع على الملأ فحوى «كاذبة» عن ذلك المجتمع.
إنه أقصى ما يمكن إطلاقه من ازدواجية ورياء. من جهة تمنع المخرج من حياة طبيعية يزاول فيها عمله بحرية كاملة، ومن ناحية أخرى تقوم بتهنئته على فوزه، ثم- من جهة ثالثة- تنتقد مهرجان برلين لقيامه بعرض الفيلم!
هذا الموقف ذاته تكرر مع خروج فيلم «إنفصال» لأصغر فرهادي والتقاطه بضع جوائز توّجت بأوسكار أفضل فيلم أجنبي سنة 2012. فمن ناحية تظاهرت بالإنزعاج لفوزه لأنه «لا يمثل المجتمع الإيراني جيداً»، لكنها سعدت بكون الفيلم، الذي كان من إنتاج إيراني صرف، حمل إسم السينما الإيرانية إلى المحافل العالمية الأولى.


Cannes 2018 | 1 | Mohammed Rouda


تغيب هوليوود فتقلق أوروبا
مهرجان «كان» السينمائي في مواجهة متغيرات العالم الجديد 

«كان»: محمد رُضـا

ليس خفياً أن شركات الإنتاج ولجانبها شركات التوزيع الفرنسية تملك قوّة مؤثرة فيما يمكن لمهرجان «كان» عرضه وعدم عرضه من الأفلام. 
الفيلم المتقدم لاختيارات إدارة المهرجان في المرحلة الأولى، وكما سبق وأن ذكرنا، عليه أن يكون قد استحوذ على مباركة إنتاجية فرنسية كاملة أو جزئية لكي يتم إدراجه. صحيح أن الإختيار الأخير ما زال خاضعاً لقرار الإدارة، لكن معظم الأفلام المقدّمة والمدفوعة تجاه هذا الإختيار هي منتجة ولديها عقود توزيع تلك الشركات صوب الإدارة العامة.
الباقي قد يختلف اختياره لكن الثابت أن غالبية ما يقّدم، بصرف النظر عن منشأه وعن لغته المستخدمة، هو فرنسي أيضاً على نحو أو أكثر.
• 1 BlacKkKlansman

















شركات التوزيع لها تأثير كبير تبدّى في العام الماضي عندما عارضت وجود فيلمين من شركة «نتفلكس» الأميركية هما Okja و The Meyerowitz Stories على أساس أنهما من أعمال شركة تعمل على خدمة زبائن بالإشتراك ما يعني أنه لا توجد لديها نيّـة لعرضه في الأسواق التجارية، كما لا نيّـة لشركات التوزيع الفرنسية- والحال هذه- قبول أفلام لا يمكن توزيعها في تلك الأسواق.
المدير التنفيذي للمهرجان تييري فريمو التقى وأرباب تلك الشركات ووافق على أن لا يعرض أفلاماً من إنتاج نتفلكس أو أمازون في العروض الرسمية بعد ذلك العام. 

روما والنروج
عند هذا الحد تبيّـن أن لشركات التوزيع سطوة مهمّـة وأن المهرجان عليه أن يفكر كذا مرّة قبل الموافقة على إتخاذ قرار تراه تلك الشركات مخالفاً لعلاقتها التاريخية مع المهرجان. لكن قبل أشهر قليلة بدا كما لو أن هناك سعي لدى فريمو للقيام بقبول أفلام جديدة من نتفلكس إذا ما استطاع أن يكون صلة خير بينها وبين شركات التوزيع.
لكن لا نتفلكس مستعدة للقبول تغيير أسلوب ونظام عملها ولا تلك الشركات ستسمح للمهرجان أن يتنفس هواءاً جديداً مغايراً للسائد. وحاول فريمو أن يجد حلاً وسطاً بإقناع الفرنسيين والأميركيين على حد سواء بقبول عروض أفلام نتفلكس خارج المسابقة. الفرنسيون لم يمانعوا، لكن شركة نتفلكس رفضت وما لبثت أن استبعدت اشتراكها على نحو كلي.
والواقع أن استبعاد أفلام مصنوعة للخدمة المنزلية المباشرة يبدو في محله من زاوية أن المهرجان يحتفي بالسينما كما عهدناها وليس كما هي آيلة إليه في الحاضر والمستقبل.
على أن هذه الأزمة تبرهن الآن، وعلى مسافة ثلاثة أيام من انطلاق الدورة 71 في الثامن من هذا الشهر، عن أبعاد أخرى في مقدّمتها أن الصراع، إذا ما تم تصويره على هذا الأساس هو صراع تكنولوجي ناتج عن تقدم الوسائط الإعلامية والإنتاجية في مواجهة رغبة المهرجان العالمي الأول الإحتفاظ باحتفائه المتوهج بالسينما كفن وكصناعة.
ذلك لأن إلغاء أفلام تم تصنيعها للعروض غير العامة ما يحد من قدرة شركات التوزيع السينمائية، في كل مكان، من الإستفادة منها،  يعني إلغاء التعامل مع هذا المنوال الحديث من الإنتاج والعروض. والحداثة في واقعها تقنية بحتة ذلك لأن الأفلام المنتجة من قِـبل نتفلكس، على الأخص، تتمتع برخصة تمنحها الشركة تتيح لمخرجيها تحقيق أفلامهم بحرية شبه كاملة (أو، كما في حالة المخرج مارتن سكورسيزي الذي باشر، وبعد تأخر طويل، تصوير فيلمه الجديد «الرجل الأيرلندي») بحرية غير منقوصة
بالتالي، فإن ثمن الإمتناع عن قبول أفلامها، وإلى جانب أنه نزوع إلى عدم تطوير آلية المهرجان حيال الإنتاجات غير التقليدية،  فيه خسارة زبائن وأفلام قد تستحق العرض على شاشة أكبر مهرجانات السينما. 
هذا العام عرضت نتفلكس على المهرجان الفرنسي فيلمين اعتبرتهما رصيداً مهماً لها ولهواة السينما على حد سواء. أحدهما هو الفيلم الجديد «روما» لألفونسو كوارون (مخرج «أطفال الرجال»، «جاذبية» الخ...)  والثاني «نروج» (Norway) لبول غرينغراسأحد لعين» و«إنذار بورن» من بين أخرى).


 هوليوود ضد «كان»؟
لكن ما سبق لا يعني أن مهرجان «كان» متجمد في زمن مضى لا يقدر على (أو لا يود أن) يغادره. في الواقع هناك متغيرات أساسية تحدث تباعاً منذ عدة سنوات وتصل في هذا العام إلى ذروتها.
عنوان هذه المتغيرات هو علاقة «كان» بالسينما الأميركية ككل.
في لقاء مع المنتج الأميركي ألبرت روديالعراب») في الشهر الماضي تم فيه الحديث عن تقاليد اشتراك هوليوود في مهرجان «كان»، ذكر لي أن المسألة بالنسبة لهوليوود اليوم تختلف تماماً عما كانت عليه سابقاً:
"إذا نظرت إلى تاريخ المهرجان في الخمسينات وفي الستينات والسبعينات ستجد أن السينما الأميركية كانت أكثر حضوراً مما هي عليه اليوم سواءاً كعدد أفلام أو كعدد ضيوف ونجوم حتى مع الأخذ بعين الإعتبار أن الكثير من هذه الأفلام كانت من النوع الفني الذي تبحث عنه المهرجانات عادة. هذا رغم أن ربما معظم هذه الأفلام كانت من النوع المستقل".
ويكمل مقارنته بالقول:
"اليوم ليس هناك حاجة كبيرة للسينما الأميركية لكي تشترك ولا مهرجان «كان» يمثّـل ما كان يمثله سابقاً بالنسبة لهوليوود".
- لماذا؟
"لأن السينما تتغير تكنولوجياً إلى حد يتجاوز أهمية «كان» بحد ذاته. لماذا عليّ أن أرسل بفيلمي إلى «كان» مع مخرجه وممثليه والطاقم الإداري والإنتاجي  وأتحمل تكاليف تصل إلى أكثر من مليون دولار بكثير إذا لم يكن هناك فائدة تجارية مجزية؟".
- تعني أن جائزة «كان» لا تعني الكثير على المستوى التجاري.
"قد تعني في فرنسا وتعني في بعض الدول الأخرى، لكن لا تعني الكثير مطلقاً في الأسواق الكبرى الأخرى وخصوصاً هنا في أميركا".
ما يُقال هنا هو أن هوليوود، التي، رغم اشتراكها بأفلام لجديرين بينهم هال آشبي وبوب رافلسون وكلينت ايستوود،  قلّـما استطاعت الفوز بجوائز كبرى في المهرجان الفرنسي إذ كانت اختيارات لجان التحكيم تميل غالباً لتفضيل أفلام أوروبية، 
لكن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تنتفي الحاجة الى «كان» التي كانت، وحتى حين قريب، حاجة إعلامية هدفها تعزيز إنتاجات فنية الجانب لأمثال غس فان سانت أو هال بارتلت أو ديفيد لينش، لكن حتى هذه- وفي كثير من الأحيان- كانت من تمويل فرنسي جزئياً ما يعني أن الحاجة الفعلية لكبار المؤسسات الهوليوودية، بما فيها فروع إنتاجاتها المستقلة، انحسرت عما كانت عليه لسببين مهمين. يشرح توم برنارد، رئيس ًوني بيكتشرز كلاسيكس، السبب الأول بقوله: "في السابق كنا نحتاج الهالة الكبيرة التي يوفرها «كان» للفيلم المستقل الذي نتعامل معه هنا. الآن لم نعد بحاجة إلى أي ترويج مسبق. الترويج يحدث تلقائياً عبر الوسائط الإجتماعية. الطريقة التي يكشف فيها الفيلم عن وجوده باتت مختلفة تماماً".
يضيف: 

 حلقات السلسلة
"أيضاً وهذا بالنسق إلى «كان» تحديداً وأيضاً بالنسبة لمهرجانات أخرى تقع في النصف الأول من السنة، نعتبر أن الفارق الزمني بين «كان» في الربيع بين موسم الجوائز الأميركية خصوصاً جائزتي الأوسكار وغولدن غلوبس  في مطلع الشتاء كبير بحيث لا يضيف كان إلى الأفلام أي فاعلية تذكر".
الحال إذن، إستيحاءاً من هذا الكلام، أن هذا البعد الزمني بين الأفلام الأميركية التي قلما تفوز على أي حال وبين المهرجان الفرنسي أصبح ماثلاً أكثر من ذي قبل ويضيف عبئاً على مهرجان أمّـه مئات النجوم في تاريخه.
الحاصل هو أنه بإبتعاد السينما الأميركية عن كان، يبتعد الممثلون أيضاً. ومع أن هناك فيلمان أميركيان هذه السنة أحدهما للمخرج سبايك لي العائد بعد غياب طويل بفيلم «بلاك كلانسمان». لكن هذا الفيلم بلا نجوم (الا إذا اعتبرنا أدام درايفر نجماً).
الفيلم الأميركي الآخر هو «تحت البحيرة الفضية» (للجديد ديفيد ميتشل) المكتفي بممثل معروف واحد هو أندرو غارفيلد.
بالتالي، الورطة المنتظرة في «كان» هذه السنة هي عم وجود نجوم أميركيين كافين لإرضاء الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع معاً.
المسألة، طالما الوضع على هذا الحال، تتحول إلى حلقات كل منها تؤثر على الأخرى كالعمود الفقري. فما يبدأ بغياب الأفلام الأميركية ونجومها ليمتد إلى الإعلام سيمتد كذلك إلى السوق التجارية. تلك الآلة الضخمة التي شيدها المهرجان قبل عدة سنوات.
هذا التأثير لن يتبدَ الآن، لكن إذا ما استمر الحال عليه سيتبدى لاحقاً ما سيجعله محطة أوروبية- أسيوية- أفريقية ناشطة إنما من دون كثير حضور وتأثير من جانب الجزء الشمالي من القارة الأميركية التي تجد أن لديها- في كل الأحوال- أربع محطات مهمة لترويج أفلامها وبييعها هي صندانس، سوق الفيلم الأميركي، مهرجان تورنتو الكندي و-الى حد- مهرجان ترايبيكا في نيويورك.
المحصلة هي أنه عالم دوّار يصعد بالجديد ويهبط بالقديم والخوف أن هذا ينسحب حتى على مهرجان بقيمة وحجم مهرجان «كان».